وصايا وفوائد لحفظ القرآن الكريم ومراجعته
1- الإخلاص مفتاح العلم والفهم :
اجعل قصدك وهدفك من الحفظ التقرب إلى الله سبحانه , واستحضر أن ما تتلوه هو كتاب الله عزَ وجلَ واحذر أن يكون دافعك نيل مكانة بين الناس أو الحصول على بعض المكاسب الدنيوية والمكافآت والجوائز , فالله سبحانه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له , قال الله تعالى : { وَمَآ أَمِرُواْ إِلا لِيَعْبُدُواْ اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدّينَِ }سورة البينة الآية 5
2- البعد عن المعاصي والآثام :
القلب المظلم بالمعاصي والمشغول بالتكالب على شهوات الدنيا لا موضع فيه لنور القرآن الكريم , فالمعاصي حاجزٌ عن حفظ القرآن ومراجعته وتدبّر آياته , ووساوس الشيطان تصرف عن ذكر الله ,
كما قال تعالى : { استحوذ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ } سورة المجادلة الآية 19
وقد روى عبد الله بن المبارك عن الضحاك بن مزاحم أنه قال : ما من أحدٍ تعلم القرآن فنسيه إلا بذنب يحدثه , لأن الله تعالى يقول في ذلك : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } سورة الشورى الآية 30
وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب .
فالمعاصي هي التي تمرض القلب وتوهنه , وتحجب عنه النور والإيمان ,
وقد قال ابن المبارك رحمه الله :
رأيت الذنوب تميت القلوب
وقد يورث الذلَّ إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
وخيرٌ لنفسك عصيانها
وهذا الإمام الشافعي المشهور بسرعة الحفظ يشكو إلى شيخه وكيع أن الحفظ تباطأ عليه يوماً , فيرشده إلى علاج حاسم وهو ترك المعاصي وتفريغ القلب من كل ما يحجزه عن ربه , يقول الإمام الشافعي رحمه الله :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور
ونور الله لا يؤتى لعاصي
يقول الإمام ابن المنادى : ( إن للحفظ أسباباً ... منها احتشام المناقص جملةٌ – أي : اجتناب المعايب – وذلك أن المرء إذا زجر نفسه وأقبل على الله بالموافقة , وعت أذنه , وصفاً من الرّين ذهنه ) .
والرّين : ما يغطي القلب من غشاوة المعاصي , كما قال الله تعالى : { كَلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } سورة المطففين :14
فمن جاهد نفسه للبعد عن المعاصي فتح الله عز وجل قلبه لذكره , وهداه لتدبر آيات كتابه , ويسر عليه حفظه ومدارسته , وفي ذلك يقول المولى سبحانه : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } سورة العنكبوت : 69
3- اغتنام فترة الشباب وسنوات الصغر :
لأن الصغير أفرغ قلباً وأقل شغلاً , وقد حكي عن الأخنف بن قيس أنه سمع رجلاً يقول : التعلم في الصغر كالنقش على الحجر .
فقال الأحنف : الكبير أكثر عقلاً لكنه أشغل قلباً .
وينبغي لمن فاتته مرحلة الشباب أن لا يتهاون في الحفظ , فإنه إذا فرّغ قلبه عن المشاغل والهموم سيجد سهولة في حفظ القرآن الكريم لا يجدها في غيره , قال الله تعالى : { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مُدّكر} سورة القمر : 17
وهذا من خصائص القرآن .
ولا ننسى أن الإنسان عندما يصل إلى مرحلة الشيخوخة يضعف بصره , وقد لا يقوى على قراءة القرآن من المصحف , وعندها سيجد ما يحفظه في صدره كنزاً يتلوه ويتهجد به , وإن لم يكن قد حفظ من القرآن شيئاً يذكر فما أعظم ندامته .
4- اغتنام أوقات النشاط والفراغ :
فلا ينبغي أن نحفظ في وقت الملل والتعب , أو عندما يكون ذهننا مشغولاً في أمر ما , لأن هذا يمنع من تركيز الحفظ , بل يجب علينا اختيار وقت النشاط وراحة البال , وحبذا لو جعلنا ذلك بعد صلاة الفجر فهو أنفع الأوقات لمن نام مبكراً .
واغتنام أوقات النشاط مهم جداً , فلنعرف من أنفسنا متى نستطيع أن نستنهضها , ومتى ينبغي أن نريحها .
إذا هبت رياحك فاغتنمها
فعقبى كل خافقةٍ سكونُ
ولا تغفل عن الإحسان فيها
فما تدري السكون متى يكون
ومن بدائع شعر الإمام الشافعي في الحث على اغتنام الأوقات في المبادرة للطاعات قوله رحمه الله :
إذا هجع النوام أسبلت عَبرتي
وأنشدت بيتاً وهو من ألطف الشعر
أليس من الخسران أن لياليا
تمر بلا علمٍ وتحسب من عمري !
5– اختيار المكان المناسب :
وذلك بالبعد عن أماكن الضجيج والضوضاء , لأن هذا يشغلنا ويشتت أذهاننا , فيجب علينا أن لا نحاول الحفظ ونحن في بيوتنا بين أولادنا , أو في أماكن عملنا بين زملائنا وأصوات الناس من حولنا تملأ المكان .
وعلينا ذكرقول الله تعالى :{ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه }الأحزاب : 4
وخير مكان نختاره لحفظ القرآن الكريم هو بيت الله لننال الأجر مضاعف , أو في مكان هادىء لا ينشغل فيه سمعنا أو بصرنا بما حولنا .
الله يوفقكم في حفظ القرآن وتدبره وفهمه