* ثـــقـــــــــا فــة الحســــــــــد* • © .. ؟؟
في ثقافة الحسد تختلط الخرافة بالعلم والفن، بل تنتفي الحدود بينها، ويزخر هذا التراث بالكثير
من القص والأمثلة والشواهد، وكلها تؤكد على أن الحسد صفة إنسانية، قلما توجد بين الكائنات الأخرى.
وفي الفلكلور السلافي قصة تدور حول رجل ابتلي بالحسد لدرجة دفعته إلى أن فقأ عينيه كي لا يؤذي أطفاله.
وفي أوروبا خلال العصور الوسطى،
شاع استخدام عبارات مثل «بارك الله فيه». ولا يزال يجري استخدام مثل هذه العبارات في بعض الدول الأوروبية
حتى اليوم. وبطبيعة الحال، يشيع استخدام هذه العبارات في الدول المسلمة.
ويعد الإفراط في الثناء على طفل رضيع من الأمور غير اللائقة في الكثير من الثقافات الشرقية
وحوض البحر المتوسط. لذلك استحوذ مفهوم الحسد على اهتمام كثير من العلماء في محاولة لوضع
تفسير علمي له،
ومن هؤلاء العلماء، البروفسور آلان دنديس، من جامعة كاليفورنيا، الذي ألف كتاب
«الرطب والجاف: العين الشريرة» (Wet and Dry: The Evil Eye) ..
يعتقد بروفسور دنديس أن فكرة الحسد تقوم على الاعتقاد بأن الماء يكافئ الحياة، والجفاف يكافئ الموت.
وبالتالي فإن «الشر» الذي تلحقه العين «الشريرة» بالضحية المحسودة يكمن في تجفيفها من المياه،
خصوصا الأطفال أو الماشية أو النباتات أو الأمهات اللائي وضعن حديثا.
المثير أن اعتقادا يسود بين اليهود بأن الأسماك محصنة ضد الحسد لأنها مغطاة بالماء.
ويلاحظ آلان دنديس أن إيمان العامة من اليهود بـ«العين الحارة» دفعهم لاتباع ممارسات اجتماعية لافتة للانتباه.
على سبيل المثال، عند إجراء إحصاء سكاني، الأمر الذي يمكن أن يعرض البعض للحسد بسبب الكشف
عن حجم عائلاتهم الكبيرة، جرت العادة بأن يكتفي كل شخص بتقديم شيكل عن كل فرد في العائلة،
بدلا من كتابة الأسماء وتعريض الأسرة لخطر الحسد.
وبالتالي يقوم العامل على وضع الإحصاء بعد عملات الشيكل التي بحوزته للتعرف على عدد أفراد الأسرة.
إلى جانب اعتقادهم بأن التوقيت الأمثل للقيام بإحصاء سكاني هو شهر مارس (آذار) المرتبط بالأسماك
وبرج الحوت.
أما سبل صد العين الحاسدة والحماية منها، فتتنوع بين الثقافات المختلفة، ولا يخلو بعضها من الطرافة.
قديما في مصر،
لجأ الفراعنة إلى اللون الأزرق باعتباره رمز الخصوبة والحماية من الحسد،
وحرصوا على ارتداء حلي كتمائم وتعاويذ، أشهرها «عين الإله حورس».
واليوم كثيرا ما تصادف على السيارات في شوارع مصر، خصوصا سيارات الأجرة والنقل،
عبارات مثل «العين صابتني ورب العرش نجاني»، و«يا ناس يا شر كفاية قر».
ويحرص الكثيرون على ذبح أضحيات عند أي مناسبة سعيدة، ورسم أكف بدمائها على الجدران.
ومن الطرائف أن بعض الآباء والأمهات يلجأون إلى إطلاق أسماء غير محببة على أطفالهم كي يصدوا عنهم الحسد،
مثل «مشحوت»، و«شحاتة»، و«حكشة».
ويحرص آخرون على تعليق سنابل قمح، أو حدوة حصان، أو خرزة، أو كف.. على مداخل منازلهم ومتاجرهم،
وترتديها بعض النساء في صورة حلي.
وقد يصل الخوف من الحسد بالبعض حد رفع الكف في وجه المتحدث لدرء عينيه الحاسدة!
و في المجتمع المغربي
لجأ إلى عدة وسائل للوقاية من شرور "العين" وأذاها، من قبيل تعليق كف خماسية
الأصابع تسمى
بـ"الخميسة" في العنق أو معصم اليد، وتعليق حذوة الحصان في المحال وفوق أبواب المتاجر.
وتستخدم بعض النساء كبيرات السن الوشم خاصة على الوجه لدرء العين الشريرة
وفي الدول العربية عامة،
يشيع استخدام الكف الذي يحوي عينا لصد الحسد. كما يصرخ البعض أحيانا «امسكوا الخشب،
عين الحسود فيها عود».
أما إذا كنت من أصحاب النفوس الرقيقة وساورك الضيق من المصري الذي يرفع كفه في وجهك ليحمي نفسه
من شر عينيك، فعليك أخذ الحذر حين تسافر إلى اليونان، فمن الشائع أن يبصق اليونانيون باتجاه شخص يطري
عليهم خوفا من الحسد. وأحيانا يتكرر عدد مرات البصق بشكل مقزز!
ويعد الحسد أحد أكثر المعتقدات الشعبية انتشارا بين اليونانيين، ويضرب بجذوره في أعماق
الحضارة الهيلينية. وللحماية منه، يرتدي اليونانيون حليا تحمل صورة العين.
وبوجه عام، يعتقد الأتراك واليونانيون أن أصحاب العيون الزرقاء لديهم قدرة استثنائية على الحسد.
ويعمد كثير من اليونانيين
إلى الاحتفاظ بفص من الثوم في ملابسهم لصد العين.
في تركيا
أينما وجهت عينيك يصادفك الكثير من العيون الزرقاء المحدقة بك.
ويشيع في الثقافة التركية تقديم هدايا على صورة عين زرقاء أو تعليقها في السيارات أو المنازل أو المكاتب
لصد الحسد، علاوة على ارتدائها كحلي.
وكذلك في إيران وأفغانستان وباكستان وطاجاكستان،
فعندما يعود طفل بعد فترة غياب بين غرباء، يلجأ والداه إلى إشعال بخور وإحاطة الطفل بها وتلاوة أدعية لصد العين.
أما في الصين
فيتمثل علاج الحسد في مرآة «با كوا»، وهي مرآة سداسية الجوانب توضع أمام الأبواب أو النوافذ
لرد طاقة العين السلبية على صاحبها.
وفي نيبال
يجري ارتداء «عين بوذا» للحماية من الحسد.
ويستخدم الهنود، وكذلك شعوب شرق أوروبا،
في صد الـ«عين» اللون الأحمر حيث، يجري لف أشرطة من اللون الأحمر حول الرسغ أو الرقبة لحماية الأطفال.
و في الولايات المتحدة في الوقت الحاضر،
يجري ارتداء أعين أشبه بالعين الحقيقية للحماية من الحسد.
ومن بين طرق صد العين الحاسدة، يكاد البصق على الأرض، أو تحت صدر الملابس، قاسما إنسانيا مشتركا،
ففي بعض الدول، عندما يثني شخص ما على طفل أو حيوان أو شجرة فاكهة، يعمد إلى البصق في أعقاب الثناء
أمام الأم أو صاحب الحيوان أو الشجرة كي يبرئ نفسه من تهمة الحسد.
في دول أخرى،
يعقب الشخص الثناء على طفل ما بالمسارعة إلى لمسه «كي يحمل العين بعيدا عنه».
وإذا لم يلتزم شخص بهذا البروتوكول، تلجأ الأم إلى بعض الأدعية لصد العين أو الشروع في الحديث
عن نحو ناقد وسلبي عن الطفل كي تدرأ عنه الحسد.
وفي بعض الثقافات
يجري تلطيخ أي طفل، يحمله ذووه إلى مكان عام، بالوحل.
إلا أن دكتور أبو ليلة يرى إمكانية استغلال الحسد إيجابيا، وذلك بتحويل «شعور الحسد إلى شعور إيجابي،
من خلال التسامي به وتحويله إلى حافز للتقدم